
بقلم وائل خليل / ليبانون غايت
في لبنان، تُستخدم التوظيفات في القطاع العام كأداة سياسية لتعزيز النفوذ وكسب الولاءات، خاصة خلال الفترات الانتخابية. رغم وجود قوانين تهدف إلى تنظيم التوظيف ومنع استغلاله لأغراض انتخابية، إلا أن الواقع يشير إلى تجاوزات مستمرة.
التوظيف الانتخابي في القطاع العام
بعد الانتخابات النيابية لعام 2018، شهد لبنان موجة من التوظيفات في القطاع العام خارج الأطر القانونية، حيث تم تعيين العديد من الأشخاص دون المرور بمجلس الخدمة المدنية، الجهة المخولة قانونًا بإجراء التوظيفات العامة. هذا الأمر أثار احتجاجات من قبل المواطنين الذين طالبوا بتطبيق القانون ومحاسبة المسؤولين عن هذه التعيينات التي اعتُبرت شكلًا من أشكال الفساد.
الرشاوى الانتخابية وتأثيرها
الانتخابات في لبنان غالبًا ما تشوبها ممارسات غير قانونية، منها الرشاوى الانتخابية التي تتخذ أشكالًا مادية وعينية. رغم أن المادة 62 من قانون الانتخاب تحظر تقديم خدمات أو مبالغ مالية للناخبين خلال الحملة الانتخابية، إلا أن ضعف الرقابة وصعوبة إثبات هذه المخالفات تجعل من مكافحة هذه الظاهرة تحديًا كبيرًا.
ضعف الإطار القانوني والرقابي
القانون اللبناني لم يعرّف الرشوة الانتخابية بشكل واضح، مما يترك مجالًا للتأويل ويسمح بمرور العديد من المخالفات دون محاسبة. كما أن هيئة الإشراف على الانتخابات، المسؤولة عن مراقبة سير العملية الانتخابية، تعاني من ضعف في الصلاحيات والموارد، مما يحد من قدرتها على التصدي للانتهاكات.
فيما يلي بعض الإحصاءات والوقائع المتعلقة بالتوظيف في القطاع العام والرشاوى الانتخابية في لبنان، والتي تُظهر كيف استُخدمت هذه الوسائل كأدوات سياسية خلال الانتخابات:
التوظيف في القطاع العام كأداة انتخابية
تعيينات إدارية واسعة النطاق: قبل الانتخابات النيابية لعام 2022، تم التحضير لتعيين أكثر من 90 مركزًا إداريًا في الفئة الأولى، بما في ذلك أعضاء مجلس القضاء الأعلى، في خطوة اعتُبرت بمثابة “رشوة انتخابية” لتقوية النفوذ السياسي للأحزاب الحاكمة.
تجاوز مجلس الخدمة المدنية: تمت العديد من التوظيفات في القطاع العام دون المرور بمجلس الخدمة المدنية، الجهة المخولة قانونًا بإجراء التوظيفات العامة، مما أثار احتجاجات من قبل المواطنين الذين طالبوا بتطبيق القانون ومحاسبة المسؤولين عن هذه التعيينات.
الرشاوى الانتخابية وتأثيرها
أشكال متعددة للرشاوى: مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، اتخذت الرشاوى الانتخابية أشكالًا جديدة، مثل دفع فواتير اشتراكات الكهرباء، تقديم مساعدات غذائية، توزيع حليب أطفال، وحتى توفير فوط صحية، مستهدفةً احتياجات المواطنين الأساسية.
تأثير الأزمة الاقتصادية
أدت الأزمة الاقتصادية إلى زيادة معدلات الفقر والبطالة، مما جعل المواطنين أكثر عرضة لتأثير الرشاوى الانتخابية، حيث قُدرت نسبة الفقر بنحو 80% والبطالة بأكثر من 40%، وفق تقارير الأمم المتحدة.
هيئة الإشراف على الانتخابات
قر رئيس هيئة الإشراف على الانتخابات، بصعوبة مكافحة الرشاوى الانتخابية، مشيرًا إلى أن الهيئة ستقوم بدورها القانوني ضمن الإمكانات المتاحة، لكن الرشوة الانتخابية تمثل آفة تاريخية في المجتمع اللبناني من الصعب ضبطها أو إنهاؤها بشكل كامل.
قوانين غير فعالة
رغم وجود قوانين تهدف إلى تنظيم التوظيف ومنع استغلاله لأغراض انتخابية، إلا أن ضعف الرقابة والتنفيذ يجعل من هذه القوانين غير فعالة في كثير من الأحيان، مما يتيح للأحزاب السياسية استغلال التوظيف والرشاوى كوسائل لتعزيز نفوذها.
هذه الإحصاءات والوقائع تسلط الضوء على التحديات التي تواجه نزاهة العملية الانتخابية في لبنان، وتبرز الحاجة الملحة لإصلاحات قانونية وإدارية لتعزيز الشفافية والمساءلة.
الخلاصة ان التوظيف السياسي في القطاع العام والرشاوى الانتخابية في لبنان يعكسان فشل المنظومة في بناء دولة المؤسسات. إذ تُستخدم التعيينات الوظيفية وتوزيع المساعدات كوسائل انتخابية لتعزيز النفوذ الحزبي، في ظل غياب فعلي للرقابة وضعف تنفيذ القوانين. هذه الممارسات لا تؤدي فقط إلى ضرب مبدأ الكفاءة والعدالة، بل تُكرّس الزبائنية وتعمّق الانقسامات، ما يجعل الإصلاح الشامل ضرورة وطنية عاجلة لإنقاذ ما تبقى من الثقة في الدولة ومؤسساتها.
نعم، الفساد في لبنان مستشرٍ بشكل كبير وعلى مختلف المستويات، وهو أحد الأسباب الأساسية للأزمات المتلاحقة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات. أبرز مظاهر هذا الفساد تشمل:
- المحاصصة السياسية: تعيينات وتوظيفات مبنية على الولاء السياسي والطائفي بدل الكفاءة.
- الهدر في المال العام: مليارات الدولارات صُرفت على مشاريع وهمية أو غير مكتملة (مثل الكهرباء.
- الصفقات العمومية: تلزيمات مشبوهة دون مناقصات شفافة.
- القضاء غير المستقل: مما يعيق المحاسبة الفعلية.
- التهريب والتهرب الجمركي: خصوصاً عبر المرافئ والمطار والمعابر غير الشرعية.
وقد احتلّ لبنان مراتب متدنية جداً على مؤشر مدركات الفساد الصادر عن “منظمة الشفافية الدولية”، مما يعكس غياب الشفافية والمساءلة في مؤسسات الدولة.
وفي الختام، لا بد من إدانة صريحة للطبقة السياسية الحاكمة التي حولت مؤسسات الدولة إلى أدوات للمحاصصة والزبائنية، مستخدمة التوظيف العام كرشوة انتخابية على حساب الكفاءة والمصلحة الوطنية. لقد آن الأوان لمحاسبة حقيقية، تبدأ من كشف التجاوزات لا التستر عليها، ومن استعادة الدولة من قبضة الفساد إلى حضن القانون والعدالة. لبنان يستحق أفضل من هذا النظام القائم على الاستغلال والانهيار.
