-بقلم بولا خباز

تُعرض مسرحية
«شي TikTok شي تيعا»
على مسرح Athénée في جونية، وهي عمل مسرحي لبناني متكامل من تأليف وكتابة طارق سويد وإنتاج Maison d’Art، يقدّم تجربة فنية معاصرة تمزج بين الكوميديا السوداء والطرح الاجتماعي الجريء، في قالب مسرحي ذكي ومتماس

يتألف العمل من ستة مشاهد طويلة مستقلة شكلاً، مترابطة مضموناً، تشكّل معاً نسيجاً درامياً واحداً كُتب بواقعية عالية وحسّ نقدي واضح. نصوصٌ تنبض بالحياة اليومية، وتستند إلى تعابير وجمل نستخدمها ونسمعها كل يوم، من دون تزييف أو تجميل. قد تبدو بعض العبارات صادمة، لكنها صادقة، حقيقية، نابعة من لحظات الغضب، الانكسار، التأثر أو المواجهة، وهو ما منح النص قوته وجرأته في آن.

في عمق هذه المشاهد الستة، يدافع العمل بطريقة غير مباشرة عن المرأة اللبنانية، مقدّماً صورة صادقة عنها في مختلف مراحل عمرها: في ضعفها وقوتها، في أخطائها ونجاحاتها، لكن دائماً في حضورها المؤثر ودورها الجوهري. المرأة هنا ليست شعاراً ولا خطاباً مباشراً، بل كيان حيّ ينبثق من القصص والشخصيات والتفاصيل الصغيرة.

حرص طارق سويد في نصّه على كسر الجدار الرابع، فالعلاقة بين الممثل والجمهور ليست هامشية، بل عنصر أساسي في البناء الدرامي. وبينما يندمج المشاهد في الأحداث، يفاجَأ بجُمل موجّهة إليه مباشرة، تُشركه في الحوار وتضعه داخل اللعبة المسرحية. لم يَخشَ سويد ردود الفعل، بل بدا واثقاً من خياره، ما منحه حضوراً كتابياً قوياً، وخلق لدى الممثلين مساحة تحدٍّ وثقة انعكست أداءً صادقاً ومتحرراً.

وليس سراً أن طارق سويد يعبّر في مناسبات عديدة عن فخره بوالدته وتقديره لقوتها في تخطي مصاعب الحياة. هذا البعد الإنساني تسلّل إلى النصوص، حيث حوّل تجاربه الشخصية وتجارب من حوله، ويوميات كل لبناني، إلى مادة درامية نابضة بالصدق.

يحمل العمل مجموعة رسائل توعوية قُدّمت تارةً بسخرية ذكية، وطوراً بنبرة رصينة، ما جعله صالحاً للمشاهدة من قِبل المراهقين وصولاً إلى كبار السن، من دون أن يشعر المشاهد بالملل أو الطول. هو عمل مضحك، مفرح، مبكٍ في آن، لا يذكر عيد الميلاد المجيد صراحة، لكنه يحمل روحه العائلية والإنسانية، والأهم أنه لبناني مئة في المئة.

جاء هذا العمل ثمرة تعاون بين طارق سويد وفيفيان أنطونيوس من خلال أكاديمية وورش Maison d’Art. وكما أشار سويد في مقدمة العرض، فإن وجود عدد لا بأس به من المواهب الشابة دفع الفريق إلى منحهم فرصة حقيقية للظهور في عمل مسرحي يحضره أهل الصحافة والنقاد والمنتجون ومدراء المحطات التلفزيونية والممثلون المخضرمون. جمهورٌ صعب… ورهانٌ كسبه كل من طارق سويد وفيفيان أنطونيوس بثقة.

ويُسجَّل للعمل نجاحه في إظهار طاقات شبابية تمثيلية واعدة، إذ إن جميع الممثلين والممثلات هم من فئة الشباب، وقد نجحوا بجدارة في تمثيل أعمار مختلفة، من سنّ المراهقة وصولاً إلى عمر الشيخوخة. تنوّعت الأدوار بين شخصيات ناضجة وأخرى مراهِقة، بين الرصين والجريء، فجاء الأداء مقنعاً ومتوازناً، عاكساً قدرة هؤلاء الشباب والصبايا على التنقّل بين الحالات النفسية والعمرية بمرونة وصدق. وقد أتاح الكاتب طارق سويد لهم مساحة حقيقية لإبراز قدراتهم في أدوار متنوعة وغير نمطية، فكان الرهان واضحاً… وربحه بامتياز.

الممثلون والممثلات المشاركون، وهم غير معروفين جماهيرياً خضعوا لتدريبات مكثفة في
Maison d’Art
بإشراف سويد ومتابعة أنطونيوس. النتيجة واعدة، وإن لم يبلغ جميعهم بعد مستوى الاحتراف الكامل، إلا أنهم ممتعون، وتبرز بينهم مواهب لافتة تستحق الفرص والتقدير.

ومن أبرز نقاط القوة في العمل، الأداء الجماعي العالي، حيث تألّق: رونالدو سعد بأداء ناضج وحقيقي،
روني فارس بعفويته وحضوره القوي،
ريبال عازار بأداء متقن واحترافي،
رني يمين بأسلوبه الخاص وتمكنه المسرحي،
كريستيل صوفي عزيز بطاقة تمثيلية لافتة،
لارا سعادة بقدرتها على التعبير والتأثير،
مارينا حداد بحضور متوازن ومميز،
ناتالي جرجس بأداء واثق ومتمكن،
باخوس بو أنطون بأداء قوي ترك أثراً واضحاً،
جوي مانوكيان بخفة ظله وتفاعله الطبيعي،
جورج عون بحضوره الطاغي وصوته المسرحي القوي،
ديان أبي علام بأداء متزن ومقنع،
أليسي شليطا بثقة لافتة وأداء متماسك،
أيمن التيماني بعفويته وصدق تعابيره،
إسماعيل حسينات باحترافية واضحة وتفاعل سلس،
وباميلا جرمانوس بإحساسها العالي وأدائها الطبيعي.

أما الإخراج المسرحي فجاء ذكياً وبسيطاً وغنياً في آن، مع انتقالات سلسة بين المشاهد. وتخللت العمل لمسة فنية مميزة من خلال راقصة باليه تدخل وتخرج في كل مرة بصورة تعكس مضمون المشهد، بمستوى جمالي رفيع يستحق الإشادة.

يمكن للراغبين مشاهدة العروض المتبقية في 27 و28 ديسمبر على مسرح
Athénée – Jounieh
، قبل أن ينتقل فريق العمل إلى بيروت في جولة جديدة
، يُنتظر أن تحقّق بدورها صدىً إيجابياً واستكمالاً لنجاح هذا العمل المسرحي المتكامل.

RSS
YouTube
YouTube
WhatsApp
Copy link